الأحد، 28 ديسمبر 2008

أيـــــامــــــــه !


وضع طبق الفول الصغير الذى قد انتهى منه لتوه.. وأخذ يبحث عن عود الثقاب ليشعل به الموقد.. ليبدأ فى صنع كوب الشاى للصباح الجميل.. وما إن وضع البراد على النار حتى التقط جريدة الصباح.. يستطلع عناوينها المبهمة.. ولكنه نسى أن يفتح الراديو على محطة الإذاعة التى ألفت أذنه على صوت الشيخ رفعت.. ترك الجريدة على الكرسى وذهب إلى الراديو.. وبمجرد ضغطة.. بدأ صوت الشيخ رفعت فى الانسياب داخل كيانه.. معلنًا أن اليوم مثل باقى الأيام.. لا جديد.. لا تغيير.. لا جدوى.. تذكر عندما كان يقوم مفزوعًا من نومه مهرولاً تجاه غرف الأولاد يوقظهم لمدراسهم.. ثم يبدأ فى الجرى فى الشوارع وراء الأوتوبيسات والميكروباصات حتى يلحق بدفتر الإمضاء.. وكم الراحة التى شعر بها عندما اشترى السيارة الجديدة.. جديدة لكنها متهالكة فى نفس الوقت.. ابتسم ابتسامة صغيرة سرعان ما زالت.. عندما نظر إلى داخل بيته فوجده خاليًا.. ووجد نفسه وحيدًا.. لا يفعل شيئًا سوى أن يطالع الجريدة كل يوم.. شعر بالكآبة تسرى فى كل ركن صامت.. قرر المضى.. ارتدى بذلته الرمادية وقرر أن يذهب للمقهى اليومى.. ليكمل ما تبقى من الجريدة.. فوجد أثرًا لبقعة على الجاكت من القهوة التى سكبت عليه.. فشعر بملل.. واختناق.. وقرر ألا يذهب.. دخل الى غرفة نومه واستلقى على السرير.

وجدها تدخل عليه من باب الغرفة وتقف تنظر إليه.. إيه مالك؟!

لا يرد.........

تباغته.. طب أغنيلك؟؟ تحب تسمع إيه.. زرونى كل سنة مرة.. حرام تنسونى بالمرة.. حراام. تنسونى بالمرة.. يا خوفى عاللى مساكم ونساكم وقساكم.. أنا عمرى ما بنساكم حرام.. تنسونى بالمرة.. حرااام.. تنسونى بالمرة!!

تضحك.. إيه مالك ؟؟ صوتى وحش؟؟

هو.. حضرتى الغدا؟؟

هى.. جاهز برة والعيال جعانين ومش قادرين ياكلوا غير لما تيجى.

هو.. يلا بينا.....

لكنه ما لبث أن قام من سريره.. حتى اختفى كل شئ.. قاوم أوجاع قدمه وذهب مسرعًا إلى الصالة ليرى الغداء على المائدة والأطفال.. وجد كل شئ كما كان.. ساكن.. صامت.. حزين.. موحش!!

قرر ألا يستسلم لهذه الأشياء.. ذهب إلى البلكونة ونزع الجريدة من على الكرسى بعنف وبدأ فى القراءة من جديد.. واجه نفسه بحقيقة واحدة.. هى أنه لم يعد يقرأ الجريدة.. لكنها هى التى أصبحت تقرأه.. أصبحت جزءًا منه.. مثل جهاز التنفس الصناعى.. شئ لابد منه حتى تستكمل حياتك..  نظر إلى كومة من الجرائد ملقاة أمامه.. فى آخر البلكونة كم مهول.. يالله.. هل قرأت كل هذه الجرائد؟؟ .. بل هل مرت كل هذه الأيام؟!

ترك الجريدة لتأخذ مكانها مع مثيلاتها من الجرائد الأخرى ونظر إلى الشارع.. فوجد الأطفال يحملون مع آبائهم أشجارًا.. فعرف أنه عيد الميلاد.. فرجع ثانية إلى جريدته وطالع التاريخ.. فوجد نفسه فى آخر أيام العام.. عام يسير ببطء مودعًا كل من حوله.. ولا أحد يلتفت له.. مثلى.. عام يسير وحيدًا متأبطًا جريدته.. وكل ما فيه من أيام وأحلام وأشخاص.. وذكرى ونسيان.. سمع خطوات حذائها من ورائه.. تأتى كى تخيفه لكنها فاشلة.. لا تعلم أنه يشعر بها من دون حتى أن يراها.. استعد كى يخيفها هو لا نت تخيفه هى ..

وقبل أن تلمسه.. همس لها.. غنيللى.. فزعت.. ثم ضحكت.. وغنت.. زورونى كل سنة مرة حرام تنسونى بالمرة .. حرام. .!

هناك تعليقان (2):

Unknown يقول...

جامدة يا ابو نادر.....

Nader Essa يقول...

شكرا
شكرا
شكرا
يا مهاب ..