الأحد، 28 ديسمبر 2008

أيـــــامــــــــه !


وضع طبق الفول الصغير الذى قد انتهى منه لتوه.. وأخذ يبحث عن عود الثقاب ليشعل به الموقد.. ليبدأ فى صنع كوب الشاى للصباح الجميل.. وما إن وضع البراد على النار حتى التقط جريدة الصباح.. يستطلع عناوينها المبهمة.. ولكنه نسى أن يفتح الراديو على محطة الإذاعة التى ألفت أذنه على صوت الشيخ رفعت.. ترك الجريدة على الكرسى وذهب إلى الراديو.. وبمجرد ضغطة.. بدأ صوت الشيخ رفعت فى الانسياب داخل كيانه.. معلنًا أن اليوم مثل باقى الأيام.. لا جديد.. لا تغيير.. لا جدوى.. تذكر عندما كان يقوم مفزوعًا من نومه مهرولاً تجاه غرف الأولاد يوقظهم لمدراسهم.. ثم يبدأ فى الجرى فى الشوارع وراء الأوتوبيسات والميكروباصات حتى يلحق بدفتر الإمضاء.. وكم الراحة التى شعر بها عندما اشترى السيارة الجديدة.. جديدة لكنها متهالكة فى نفس الوقت.. ابتسم ابتسامة صغيرة سرعان ما زالت.. عندما نظر إلى داخل بيته فوجده خاليًا.. ووجد نفسه وحيدًا.. لا يفعل شيئًا سوى أن يطالع الجريدة كل يوم.. شعر بالكآبة تسرى فى كل ركن صامت.. قرر المضى.. ارتدى بذلته الرمادية وقرر أن يذهب للمقهى اليومى.. ليكمل ما تبقى من الجريدة.. فوجد أثرًا لبقعة على الجاكت من القهوة التى سكبت عليه.. فشعر بملل.. واختناق.. وقرر ألا يذهب.. دخل الى غرفة نومه واستلقى على السرير.

وجدها تدخل عليه من باب الغرفة وتقف تنظر إليه.. إيه مالك؟!

لا يرد.........

تباغته.. طب أغنيلك؟؟ تحب تسمع إيه.. زرونى كل سنة مرة.. حرام تنسونى بالمرة.. حراام. تنسونى بالمرة.. يا خوفى عاللى مساكم ونساكم وقساكم.. أنا عمرى ما بنساكم حرام.. تنسونى بالمرة.. حرااام.. تنسونى بالمرة!!

تضحك.. إيه مالك ؟؟ صوتى وحش؟؟

هو.. حضرتى الغدا؟؟

هى.. جاهز برة والعيال جعانين ومش قادرين ياكلوا غير لما تيجى.

هو.. يلا بينا.....

لكنه ما لبث أن قام من سريره.. حتى اختفى كل شئ.. قاوم أوجاع قدمه وذهب مسرعًا إلى الصالة ليرى الغداء على المائدة والأطفال.. وجد كل شئ كما كان.. ساكن.. صامت.. حزين.. موحش!!

قرر ألا يستسلم لهذه الأشياء.. ذهب إلى البلكونة ونزع الجريدة من على الكرسى بعنف وبدأ فى القراءة من جديد.. واجه نفسه بحقيقة واحدة.. هى أنه لم يعد يقرأ الجريدة.. لكنها هى التى أصبحت تقرأه.. أصبحت جزءًا منه.. مثل جهاز التنفس الصناعى.. شئ لابد منه حتى تستكمل حياتك..  نظر إلى كومة من الجرائد ملقاة أمامه.. فى آخر البلكونة كم مهول.. يالله.. هل قرأت كل هذه الجرائد؟؟ .. بل هل مرت كل هذه الأيام؟!

ترك الجريدة لتأخذ مكانها مع مثيلاتها من الجرائد الأخرى ونظر إلى الشارع.. فوجد الأطفال يحملون مع آبائهم أشجارًا.. فعرف أنه عيد الميلاد.. فرجع ثانية إلى جريدته وطالع التاريخ.. فوجد نفسه فى آخر أيام العام.. عام يسير ببطء مودعًا كل من حوله.. ولا أحد يلتفت له.. مثلى.. عام يسير وحيدًا متأبطًا جريدته.. وكل ما فيه من أيام وأحلام وأشخاص.. وذكرى ونسيان.. سمع خطوات حذائها من ورائه.. تأتى كى تخيفه لكنها فاشلة.. لا تعلم أنه يشعر بها من دون حتى أن يراها.. استعد كى يخيفها هو لا نت تخيفه هى ..

وقبل أن تلمسه.. همس لها.. غنيللى.. فزعت.. ثم ضحكت.. وغنت.. زورونى كل سنة مرة حرام تنسونى بالمرة .. حرام. .!

الخميس، 11 ديسمبر 2008

على الأرجوحة


هو .. بدأ يتململ فى جلسته .. لم يدرك كم من الوقت قد مضى عليه وهو يجلس هذه الجلسة يفكر بها .. فى كل شئ من ابتسامتها إلى عينيها التى كانت ترنو إلى الطيور فى الأفق .. تنبه إلى أن أحد لم يدخل إليه وهو على حالته هذه .. وحمد الله كثيراً .. لأن أحدهم كان ليراه وهو يبتسم .. أو يبكى أو يحدث نفسه معها ، لم يكن يعتقد يوماً أن الحال قد يصل به إلى هذه الدرجة من الجنون والغيبوبة .
هى .. احتاجت من تتحدث معه فى الليل .. كالأطفال الصغار الذين يرغمهم آباؤهم على النوم مبكراً لكنهم يدخلون إلى أسرتهم بلا نوم .. وبحكايات كثيرة يسرون بها لبعضهم البعض فى همس أقرب للصمت حتى لا يسمعهم أحد من الرقباء الذين يرغمونهم على الصمت والنوم .. أحياناً نشتاق إلى الحكايات الهامسة .. حملت نفسها على النوم .. لكنها بكت كثيراً .. وجعلت من عينيها مرآة لروح متعبة جداً .
هو.. كان يعلم أنها الآن لا تحمل له أدنى قدر من الحب .. لكنه مصر على المضى قدما فى غيبوبته لدرجة انه أصبح يستعذبهل .. يحبها .. يختلى بنفسه ليجدها إلى جواره على الأرجوحة .. تبتسم .. يطير شعرها مع الهواء كانه أشباح تتراقص فى الهواء . . أو برق يضرب قلبه مرات ومرات .. ليغنى معها الطول واللون والحرية .
هى .. الحرية كانت هى غايتى .. لكنه كان دائماً مكبلاً .. حتى لو أعطته الحياة حريته على طبق من المرمر كان يغمض عينيه ليكبل نفسه .. ويوثق فمه وعينيه ويقسم لى أنه لا يرى ولا يستطيع أن يعبر إلى الحياة .. حتى أصبح أقدم سجين فى التاريخ .. وأنا آتى له فى زيارة شهرية .. أحمل معى الطعام والماء والأزهار .. وبعض مما كتبت فى غيابه ..
هو .. لم أجرأ يوماً على أن أركب معها على الأرجوحة.
 هى .. تمنيت كثيراً أن يشاطرنى يوماً .. الحرية

الأحد، 7 ديسمبر 2008

عشر ثوانى كل سبع سنوات


هو .. لم يتخيل أبدا أن هذا اليوم سيأتى..اليوم الذى يقابلها وجهاَ لوجه .. لم يكن يعلم أن الحياة صغيرة إلا بعد ما مضى سبع سنوات .. دائماً أراد بعض المساحة .. حيز فى المسافة بينهما كى يفتعل أنه لم يراها .. ولكن الأسوأ هو أن يراها بجانب كتفه .. كما تعود .

هى .. للمرة الثالثة فى شهر واحد أراه .. أهو برج نحسى هذا الشهر !!.. مرة فى المترو وأخرى فى الشارع .. والآن أمامى فى هذا المكان .. وينظر لى .. لن أكون الأضعف .. سأبتسم .. وأتركه يقرر إن كان سيأتى ليصافحنى .. ويلقى التحية على أطفالى .. يا لحسرته .. ولكن هناك سؤال أريد معرفة إجابته ..

هو .. لقد نظرت لى .. وابتسمت .. هل أذهب أم أكتفى بتبادل الابتسامات ؟ .. أولادها ظرفاء .. لكن بالتأكيد يحملون ملامح غبية .. من أبوهم .. وبالتأكيد منها .. لم يحملوا ملامحى .. للأسف.. ولكن ما هى اسماؤهم ؟.. هل هى نفس الأسماء التى تواعدنا عليها أناوهى منذ زمن.. لقد أخذت خطوة نحوى .. أمرى إلى الله ... سأذهب .

هى .. إنه يتقدم نحوى .. لقد خابت حساباتى .. ظننته سيبكى ويجرى من أمامى .. لقد اصبح رجلا أخيراً .. بعد أن طغت عليه الطفولة سنوات .. لماذا ياتى ليسلم على انا واطفالى بعد ان اقسم لى أنه يكرهنى .. لكن هل تزوج ؟ .. اريد ان أرى أصابعه.. هل من خاتم ؟.. هل أزال أنا مليكة القلب والروح ؟ ..

هو .. إنها تحاول استدعاء الثبات .. سأثبت عيناى فى عيناها .. كى أعرف ما تقول فى داخلها .. أعرف أنى آخر من تريد رؤيته فى هذا العالم .. لكنها الصدف .. لم تكبر .. بل ازدادت جمالا .. وإشراقاً .. وحناناً .. وهذه الكيلوجرامات من اللحم حول خصرها .. أعطتها أنوثة أكثر ..

هى .. لم يتغير .. لا زالت عيناه تلمع .. وضحكته الدائمة .. من الصعب أن يظل كل هذا الوقت من دون زواج أعلم أنه يحب النساء .. والنساء أيضاً يحبونه.. للأسف .. أحس أن شعره بدأ فى الرحيل .. لم أفكر بهذه الطريقة علىَ التوقف!! .. هل أخون زوجى بهذا التفكير

هو .. تقدمت اليها .. (ازيك .. عاملة ايه ؟ ) .. عرفت انها تريد معرفة اذا ما تزوجت أم لا ؟ .. وضعت يدى خلف ظهرى .. لكن ها أنا أقول لها بعينى .. لم أتزوج .. ولن أتزوج .. لكن لا علاقة لك بالأمر ..أنه الوقت .. مجرد وقت مر سريعا دون أن أدرى

هى .. ( الحمد لله .. انت اخبارك ايه ؟؟ ) .. اعرف أنه عرف ما أريد معرفته .. فوضع يده وراء ظهره .. أكرهه .. لأنه يعرف ما اريد ..

هو .. ( الحمد لله ) .. هذا يكفى .. عشر ثوانى كل سبع سنوات .. أمر كاف .. سأرحل ..( مش عايزة حاجة .. سلام .. ) لكن السؤال لا زال فى عقلى .. أداعب ابنها الأكبر فى رأسه .. وتبتسم لى بنتها الصغيرة فى عربتها

هى .. رد مسرعا على كل الأسئلة المتتالية منى ورد بمثلها .. ويده لا زالت وراء ظهره .. وهم بالرحيل .. رحل عنى .. منعت نفسى بكل ما امتلكه من القوة أن أنظر إلى الوراء كما اعتدنا .. لكنى فجأة توقفت على صوته يندهنى .. نظرت له بوجهى فقط دون جسدى .. وجدته يبتسم وظهر لى راحة يده أمام وجهه .. ويحرك أصابعه ..

هو .. لا أدرى لم فعلت هذا ؟! .. دائما أضعف أمامها .. تخور قوايا .. اصبح مثل قطعة لحم جيدة الطهى بين الشوكة والسكين .. من جراح خبير .. لكنها تعلم سؤالى .. انصرفت دون ان تجيب عليه .. لكن كنت اعلم انها ستعود ثانية .. وجدتنى انتظرها .. فلم تفاجأ .. وهمست .. انت عارف اسم الولد والبنت ..

هى .. لعنت نفسى .. لم يتزوج .. لا زلت فى قلبه .. وانا انجبت .. لكن هذه هى الحياة .. وهذا هو القدر .. هل سيتغير شيئا الآن .. .. لا .. ها هو زوجى ..

هو .. بحبك ..

الأربعاء، 3 ديسمبر 2008

بين قوسين

غلطة الرجل الاستثنائبة و الضلع الأعوج تم نشرهما فى جريدة الحلوة عام 2006 .. 

غلطة الرجل الاستثنائية !!


هو.. اليوم.. الميعاد بيننا أرجو ألا تتذكر.

هى.. اليوم.. كل عام.. أرجو أن يتذكر.

هو.. يجب أن أقابلها بالعديد من الموضوعات المؤلمة والتى تجعلنى أبدو مشغولاً.. فيكون لى عذرى عندما أقول أنى نسيت.

هى.. بالتأكيد لن يتذكر بمفرده.. لكنى أريده أن يتذكر بمفرده.. فما معنى كل شئ إذا لم نتذكره بمفردنا؟

هو.. أنتظرها على محطة الأوتوبيس.. سأعرف من وجهها عندما  تكون قادمة إذا كانت تتذكر أم لا.

هى.. لو كانت يديه وراء ظهره فبالتأكيد يكون قد فعلها  وجعلها مفاجأة لى عندما تكون عينى فى عينه.

هو.. ما هذا الوجه؟! إنه يخفى شيئًا.. لكن ليس الغضب أو الزعل.. أعتقد أنها قلقه بعض الشئ.. كل شئ وارد الآن.

هى.. ما هذه الوقفة.. أمين شرطة اسم الله.. يضع يديه  الاثنتين فى جيبه.. هل من الممكن أن تكون صغيرة بهذا الحجم؟؟ خاتم؟؟

هو.. قابلتنى بالبرود الذى يسبق العاصفة.. كنت أعلم.. لم  تقل إلا إزيك؟؟ ورد أوتوماتيكى منها الحمد لله.. قبل أن أبدأ فى السؤال.

هى.. عيناه تحاولان الهروب فى كل اتجاه.. كنت أتوقع أن  تملأ الابتسامة فمه ويقول.. كل سنة وانتى طيبة.

هو.. أتكلم فى عموميات غريبة.. طبقة الأوزون.. الصراعات الإثنية والعرقية فى مختلف أنحاء العالم.. أعلم انها لا تسمعنى مطلقاً..  4 ساعات على هذا النحو.

هى.. لن أذكره إلا غدًا .. لأنى مللت النسيان والإهمال  وكل شئ.

هو.. كل شئ جيد ألى الآن عداها هى.. ما لهذا اليوم لا يريد أن يعبر كما عبرت مليارات الأيام من أيام آدم إلى الآن.

هى.. على العموم.. فلينتظر من سيتذكر عيد ميلاده.. ولينتظر أى شئ.. أنه عيد ميلادى.. ويجلس بجوارى يحرك فمه.. يضطرب أحيانًا ويضحك  أحيانًا ولا يشعر أن هناك ما ينغض على الحياة.. وأنه لم يتذكر عيد ميلادى.

هو.. الآن تأكدت.. الموضوع الذى كنت أخشاه.. لم يخطر لها  ببال أساسًا.. وهناك مصيبة أفظع.. استر يا رب.. إنها طيبة شديدة الطيبة لكنها عندما تغضب تغضب معها الطبيعة.. الأمطار الرعدية والأعاصير والبراكين.. هل أنا غبى؟؟ ماذافعلت؟؟ هل فعلت ما يضايقها؟؟ استر.

هى.. بدأ يشعر بأن هناك شئ.. لكنه أجبن من أن يواجهنى  به.. بدأ يصمت كثيرًا وينظر للأفق.. لكنى أعلم أنه لن يتذكر.. حتى لو تذكر فأين هديتى حتى لو وردة؟؟ أشعر أنه سيظل هكذا كثيرًا.. سأطلب العودة إلى المنزل.

هو.. عبر اليوم.. لكن ليس بسلام.. لقد انتهى كل شئ بدون أى شجار لكن.. هناك شئ ما تحت السطح.

هى.. أوصلنى إلى المنزل وقال وداعًا بكل بلاهة.. تمنيت أن أمسك رقبته بكلتا يدى.. وأطبق عليها لآخر العمر.

هو.. استمرت فى حالة اللاوعى التى تعيشها.. قلت لها  وداعًا.. هزت رأسها وصعدت إلى المصعد.. ربما تكون مرهقة.

هى.. دخلت إلى حجرتى مسرعة.. لم أبكِ .. لكنى لم أتحرك  لمدة ساعة.. أنظر إلى الأرض تارة وإلى السقف تارة وأمنع العبرات من عينى وأستمر فى  هز رجلى.

هو.. (فى الأوتوبيس).. لا أطيق أحدًا من الجالسين حولى.. أشعر أنى أخرق.. وهذا الرجل البهيم.. الذى يصرخ فى هاتفه المحمول لمدة نصف ساعة  كاملة.. ولا يقول شيئاً.. سوى أيوة يا محيى.. لازم تكتب عقد الشقة بتاريخ  النهاردة.. أيوة 3 أغسطس يا حبيبى.. بس لا زم تكتبه بتاريخ 3 أغسطس.. أقسم بالله  هذه هى المرة الألف التى يقول فيها هذه الكلمات.. أود أن أخطف منه المحمول وأقول  لمحيى هذا والنبى ما تنساش 3 أغسطس.. يا نهار أسود  ومنيل.. يا سنة زرقة.. وقف يا أسطى بسرعة  والنبى.

هى.. بعد فترة الإندهاش.. بدأت فى التعامل مع الحياة  بطبيعية.. لكن ما يجعلنى أتحسر هو كمية المكالمات والناس التى قالت لى كل سنة وانت  طيبة.. وهو عينى فى عينه ولا يتذكر.. سأغلق الموبايل حتى لا يتصل بى أحد الأشخاص  غير المهمين ليقول لى كل سنة وانت طيبة.. ما أن وضعت يدى على الهاتف حتى دق بتلك  النغمة المخصصة له وحده..  فكرت ألا أرد.. وأن أغلق الموبايل.. لكنى أريد أن أعرف.. ماذا لو لا يتذكر حتى الآن؟؟ ويتصل لكى  يقول اى شئ.. ستكون نكسة عاطفية شديدة.. ماذا أفعل؟؟

هو.. لماذا لا ترد؟؟ هل نامت؟؟ يا رب.

هى.. هذه هى المرة الثالثة التى يتصل فيها.. سأرد: آلو.. أيوة.

هو.. أنا تحت...

هى.. ليه إن شاء الله؟؟

هو.. إطلعيلى الأول فى البلكونة؟؟

هى.. وجدته وفى يده بوكيه من.. نوع الورود التى أحبها

الاثنين، 1 ديسمبر 2008

الضلع الأعوج ! !


هى.. ترنحت كثيرًا قبل أن تسقط على الأرض.. لم تسقط لكنها جلست.. سقطة ثم جلسة على الأرض.. لم تمهل نفسها وقتًا للتفكير.. أنه التغير أم الكذب.. والأصعب.. النهايات.. أن ينتهى كل شئ.. افترضنا له الدوام.. أو توهمنا له الدوام.

- إيه مالك ؟؟

- نتيجة الكلية ظهرت.. أنا اترفضت فى كلية الطيران.. النتيجة ظهرت الصبح.

- يا دى الحظ.. ليه؟؟

- عندى ضلع من ضلوعى ناقص 2ملليمتر.. تخيلى.

- معقول؟؟

- هما قاللولى كده.. مش حرام عشان 2مللى ناقصين فى ضلع يرفضوا يدخلونى الطيران؟؟ حلم حياتى!!

- ماتزعلش.. أنا السبب.. انا كنت عارفة.

- ليه كده.. إنت السبب فى إيه.. دى خلقة ربنا.. أنا كده!!

- أصل أنا اللى خدت منك الـ2مللى دول.. حقك علىّ.

- إنت بتقولى كده ليه ازاى !!.. ارجوكى انا مش فايق للتهريج.. الدنيا ضلمة اوى عندى.

- استنى .. هو ربنا خلق حواء من إيه؟؟

- من ضلع آدم.

- بالضبط.. أهو انا بأه الـ2مللى اللى ناقصين من ضلعك دول.. ربنا خدهم منك.. عشان يحرمك من الطيران.. بس عشان يديك اللى أحسن من كل الطيارات.. أنا!!

- يا سلام.. بس خلى بالك ده كان ضلع اعوج.

هى.. لم استطع أن أتخيل كيف تحول من الحزن البشع الى الفرحة اليائسة عندما حاولت التخفيف عنه.. لكنى أبديت غضبى وهمى و زعلى.. عندما ذكر لى أنى خلقت من ضلع أعوج لكنه ما لبث ان حاول ان يهدهدنى بكلمات صغيرة.. فداعبنى بصوت متفكر وأخبرنى أن الله قد خلق حواء من ضلع آدم الأعوج.. نعم.. لكنه قصد الضلع الأعوج.. لحكمته.. فالله خلقها من هذا الضلع ليصلح من اعوجاجه ويصلحه ويجعله مستقيماً ككل الأضلاع.. ويصلح معه حياته العرجاء الكئيبة الوحيدة المعوجة.. ويجعلها حياة مستقيمة.. خالية من الاعوجاج.. يا حوائى.. العزيزة.

- كانت لنا أيام.. لا.. بل كان لنا مشاعر.. لا.. بل كانت لنا أرواح.. عزيزة علينا.. لم أتأكد أن كل الأشياء تساوت إلا بعد أن تحولت الذكرى الجميلة أو هكذا توهمت إلى شئ سخيف.. لم أكن أعلم أنى لا أعرفه.

- على فكرة.. على جثتى إن فيه حاجة من اللى بتقوللى عليه تحصل.

- على جثتك على جثتى.. أنا هتصرف بالحق اللى يقولهولى عقلى.

- حق.. حق إيه؟!.. إيه العوجان ده.. فعلا كان ضلع أعوج.

- ممكن تسكت؟؟

- أسكت؟؟ أسكت ليه ؟؟ كان فعلاً ضلع أعوج ومنيل وضارب فى قلبى.

- ممكن تسكت؟؟

- تانى.. على فكرة.. ربنا خلقك مش من ضلع أعوج وبس.. ده ناقص كمان.. ولا مش فاكرة؟؟

- لم أشعر إلا ويدى تتعرق على سماعة الهاتف وأذنى ترتفع درجة حرارتها فأبعد السماعة عنها.. وقلبى يخفق بشدة.. وسمعته من بعيد يردد اسمى مرات متتالية فى الهاتف.. وضعت السماعة.. وبدأت أفكر.

- لم تمضى لحظات على بعد أن وضعت السماعة.. حتى مرت دقيقتين خشنتين.. كأنهما أحجار ثقيلة.. رفعت السماعة.. لم أقل أية كلمة.

- أيوة إنتى رحتى فين ؟؟.. بتقفلى السماعة فى وشى؟؟

- لأ!!

- أمال إيه؟؟

- انت تقصد الكلام اللى انت قلته ده.. فعلاً؟؟

- ما تحاوليش تغيرى الموضوع.. عشان حاجة تافهة.. زى دى.. وأرجوكى يعنى ماتفكرينيش.

- تافهة.. لما هو تافه بتقوله ليه؟؟

- عشان متزعليش.. وبذمتك كده فى واحد يقول لواحدة مصيبة ويقولها حلم حياته اتدمر ترد عليه.. باستظراف.. تقوله ضلع.. ومش عارف إيه؟؟ وأنا الحتة الناقصة.. ايه ده؟؟ مفيش دم؟؟

حقيقة.. لم أتخيل نى لا أعرفه.. الأسوأ من الأسوأ.. الكذب.. إذن لماذا أوهمنى أنه سعيد؟؟ لقد كانت فرحة يائسة.. فعلاً..لا بل كانت كذبة بالية.. يقاومنى شعور بالرضوخ والتحول والتباعد.. أنه مثل خيال صغير على بعد المدى لا أكاد أن أراه.

- شوفى.. إنتى مابتقدريش أى حاجة!!

توالت كلمات مثل هذه العبارة وبنفس الإيقاع.. لم استطع أن اتحمله.. أغلقت التليفون.. ونزعت السلك.. وترنحت كثيراً قبل أن أسقط على الأرض.

لم يحتوينى !

هذه هى المرة الثانية التى أشرع فى عمل مدونة ، ولأنى فى المرة الأولى لم أشعر أن هذا المكان قادر على إخراج ما فى من أفكار شعرت بالغربة داخله ، وأنا يكفينى كثير من الغربات التى أحياها ، ولم أشعر به يحتوينى ، يجسد ما بى ، ولم أطرح على نفسى أى أسئلة .. هل التدوين فعلاً له ناسه ؟ أم أنى أنا ليس لدى ما أقول ؟ .. أم ماذا ؟ .. لكنى أحياناً أشعر برغبة فى الخروج من عنق الزجاجة .. من الوحدة .. أود أن أرى .. أو أبصر .. فهذه إذن محاولة ثانية .. وليست أخيرة .. للتدوين .. علًه يحتوينى هذه المرة 

كان فيه مرة كلب !


كان فيه مرة كلب.. اسمه.. والله ما أنا فاكر.. أول ما اتولد.. انقبض.. لقى الخلق ياما.. والناس ماشية فى الشوارع.. وناس راضية وناس نايمة وناس نفسها بس تهاجر.. سأل أبوه: واحد وواحد يبقوا كام.. قاله عند ناس اتنين وعند غيرهم تلاتة.. وعند التانيين واحد.. وعندنا صفر.. كله زى بعضه.. كله محصل بعضه.. الله جاب الله خد الله عليه العوض.. ماشين فى السوق.. يشتروا اشى اقلام واشر كراريس ومساطر..السؤال الأهم.. انشغل بيه.. إيه دول؟؟ دول أدواتك سلاحك عشان تحاول.. أهه يبقى فينا واحد حاول.. وتتعلم عربى وانجليزى وحساب.. ارتبك لأن الأمر عليه اتحبك.. واتعلم ليه الحساب.. ما دام واحد وواحد بقوا فى النهاية لاشئ.. بص له وقاله: هتوجع دماغى ليه.. عنك ما اتعلمت وعنك ما عرفت.. هو استسلم.. وده كان أول خطوة عشان يبقى زى كل كلاب الحارة.. راح المدرسة واجتهد وذاكر.. عمل اللى عليه.. لكن الظروف كانت مش ملك إيديه.. ومن غير ما نطول ولا نقصر.. كبر الكلب.. وشايل فى ايده شهادته.. مش هقولكوا دكتور.. صيدلى.. مدرس.. مهندس.. سمكرى عتال.. مش مهم.. قايم فى يوم الصبح.. بص لصورة أبوه.. الله يرحمه.. ماحدش فيها دايم.. قاله صحيح يابا.. واحد وواحد صفر.. لأ.. مش صفر.. صفرين.. ثلاثة.. أربعة أصفار.. ماعدتش تفرق.. قال ارمى نفسى من على كوبرى الجامعة ولا قدام قطر.. ولا أشرب سم.. عمل اللى كان فى دماغه.. إيه هو مالوش لزمة.. المهم النتيجة.. أهله شالوه.. كفنوه ودفنوه وكتبوا على قبره.. كان فيه مرة كلب.. اسمه ايه والله ما أنا فاكر.. أول ما اتولد........